الفصل 040 : شكوك مؤكدة.

------------------------------

"يجب أن تغادر قبل أن يعود المدير... إذهب... سوف أغلق الغرفة."

بعد أن أنهوا ما كانوا يفعلونه، قالت (ريبيكا) لـ(أورين) بأن يخرج قبل أن يأتي المدير ويجدهم هناك، كما أنه أيضاً سيستمر بالتذمر عليها لأنها تأخرت عن إغلاق الغرفة.

فسألها (أورين): "إذا... هل نستطيع الآن إعادة تحديد موعد للدروس الخاصة يوم الأحد؟"

استدارت (ريبيكا) إليه متسائلة وشعرها يبدو فوضويا:

"ماذا؟"

ثم أطلقت ضحكة ساحرة وقالت له:

"أنت مُصِر على ذلك، ألستَ كذلك؟"

فأجابها بكل ثقة: "أريد فقط أن أحسّن درجاتي."

ريبيكا: "هاها، أجل، أيها الشاب. يوم الأحد على الساعة 10:00 صباحاً. ومن الأفضل أن تكون هناك."

رد عليها (أورين) متحمسا: "أجــل! لن تندمي على ذلك يا (ريبيكا)! أراكِ غدا!"

***

عاد (أورين) إلى المنزل وهو سعيد جدا، فصاح قائلا بعد أن أزال حقيبته من ظهره:

"مرحبا!! أنا بالمنزل! .. أنا في مزاج جيد جدا اليوم! لذا فأنا من سأحضر وجبة العشاء الليلة!"

ولكن لم يجبه أحد، لم تظهر (جودي) لكي تحييه، ولم تكن (كارلا) في المطبخ أو لتقوم بأعمل المنزل. كان المنزل صامتاً جداً أكثر من المعتاد. فلم يفكر (أورين) كثيراً وذهب قاصداً غرفته مشياً بينما يصيح مجدداً:

"مرحبا؟ أين هي عائلتي الرائعة؟ .. (جودي)؟ (لورين)؟ (كارلا)؟"

في تلك اللحظة أتاه رد من الخلف بصوت رجولي ومألوف جداً، يقول:

"يبدو أنهم قد خرجوا. للتسوق، ربما؟"

كان رجلاً يرتدي بدلة بُنّية كلاسيكية وكأنه شخص قد هرب مسلسل محققين من الثمانينات، ولكنها تبدو جديدة ولا تشوبها شائبة، مع قبعة بنية أيضاً. فاقشعر جسد (أورين) من سماع ذلك الصوت وتجمد في مكانه قبل أن يخطوا على السلالم ولم يستطع أن يستدير.

أكمل ذلك الرجل كلامه: "ولكن حسنا..."

ثم رفع رأسه ليظهر بأنه والد (أورين) وهو يدخن سيجارة ثم أكمل:

"والدك العجوز هنا، يا بني. تعال، اجلس معي لفترة من الوقت. فأنا متأكد من أنه لدينا الكثير لنقول لبعضنا البعض..."

حينها لم يعرف (أورين) ماذا يفعل فهو في الأصل لا يحب أباه كثيراً وحتى أنه لم يسمع من قبل والده يطلب منه أن يجلسوا للحديث فهذا أيضاً كان جزءًا من تلك الصدمة التي تعلوا وجهه، ولا ننسى ما كان قد رآه من قبل في أحد الأزقة حيث رأى 3 رجال يرتدو نفس تلك الملابس وخصوصا والده الذي يرتدي الآن نفس البدلة ونفس الملابس. كما أنه يشك به أيضاً بأنه له علاقة بطائفة أبناء (عشتروت).

فقال له مرتبكا وخائفا بعد أن استدار ببطئ:

"أ-أبي... يـ-يا لها من مفاجأة أن أراك هنا... متى... متى وصلت إلى هنا؟"

رد عليه والده بصوت يخلوا من المشاعر ويخيفه جدا:

"اليوم. ولكني لا أستطيع أن أبقى هنا لوقت أطول. لدي رحلة أخرى ستغادر في غضون ساعتين. أردت فقط أن أتوقف عليكم لكي أقول مرحباً... من المؤسف أن الفتيات قد خرجوا. هل كل شيء على ما يرام هنا؟"

ثم أنزل رأسه إلى الأسفل والقبعة تغطي وجهه.

أجاب (أورين) ولا يزال مرتبكا: "أجل... كل شيء بخير... كما هي العادة."

فرفع والده (تشارلز) رأسه مرة أخرى، وقال بنبرة خفيفة:

"بالطبع..."

ثم صمت قليلا وظل يحملق في ابنه ثم أكمل:

"أخبرني شيئاً.......... Esse est deus ....... هل تعلم ماذا يعنيه هذا؟"

في تلك اللحظة جن جنون (أورين) من الداخل وشعر وكأن السماء تريد السقوط عليه وكل الرعب الذي شعر به في حياته لا يقارن بالذي يشعر به الآن، فزاد توتره وارتباكه وكان يقاوم رغبة جسده بالتعرق والإرتعاد أمام والده. ولكنه قال بعد أن استطاع نوعا ما الهدوء لأنه كان مسبقاً يشك في والده منذ البداية، تلك الصدمة تبخرت بسرعة وأصبحت مشاعر (أورين) باردة قليلاً بعد أن قرر بأن يترك صلته به ويرمي كل مشاعره المتبقية تجاه والده، فقال متظاهراً بالغباء:

"ماذا؟ Ese ماذا؟ هل هذه الكلمة بالغة الإسبانية؟"

حينها ظل مرة أخرى والده يحدق به وهو صامت لوهلة، حتى رفع يده لكي يعدل على وضعية قبعته ومن ثم قال:

"انسى ما قلته لك للتو، ذلك غير مهم... يجب أن أذهب الآن. أرسل لـ(كارلا)، (جودي) و(لورين) قبلاتي الحارة من أجلي، حسنا؟"

أجاب (أورين) وهو ينتظر متى سيغادر والده حتى يتنهي هذا الوضع الجنوني:

"بالطبع... سأفعل. اهمم... الوداع، يا أبي... رحلة آمنة."

لم يقل والده (تشارلز) شيئاً وغادر مباشرة. فظل (أورين) ينظر إلى الباب الذي خرج منه ويقول مع نفسه بنظرة يقين:

(اللعنة... لقد كان ذلك... مكشوفاً. أظن بأن ما قاله قد أكّد كل شكوكي. هذا حقاً سوف يعقد الأمور مستقبلاً... أعتقد بأني سأنام مبكراً اللليلة... لقد فقدت شهيتي.)

***

استيقظ (أورين) في اليوم التالي، بعد أن فتح عينيه ببطئ حتى أدرك بأن الصباح قد حل، فكان مباشرة بعد استيقاظه يفكر في ما حدث وما يجب عليه أن يقوم به اليوم. فبدأ يحدث نفسه:

(الحقيقة هي أنني نمت جيدا حقا، على الرغم مما حدث بالأمس. نحتاج إلى التحدث مع (آشماداي) في أسرع وقت ممكن... على كل حال، حان الوقت لبدأ روتين يومي جديد: استحمام، فطور ومدرسة.)

وفور رغبته بالنهوض، أراد أن يبحث عن هاتفه فأدار رأسه إلى يساره، وفجأة قفز مرعوباً وصرخ بقوة:

"آآآآآآآآه!! ما الذي يحدث بحق الحجيم!! لماذا أنت في سريري؟!"

كان (آشماداي) مستلقيا بجانب (أورين) على السرير بطريقة غريبة جداً ومستقيمة، وكان فاتحا لعينيه.

وعندما قفز (أورين) مرعوبا من مكانه، نهض (آشماداي) وبدأ يضحك على ردة فعله السخيفة تلك. ثم قال وهو يمسك بمعصمه:

"هاهاهاها، آسف على ذلك. لم أرد إيقاظك، لذلك استلقيت على السرير حتى أحصل على بعض الراحة."

ثم نظر إلى السرير وقال مبتسما: "لديك سرير مريح."

لكن (أورين) لم يكن يمزح أبدا، فصرخ عليه:

"اللعنة على ذلك! لقد كدت تصيبني بنوبة قلبية!"

وفجأة اقتحمت (لورين) الغرفة وهي مرعوبة وتحمل المسدس وتشهره في الأرجاء وقالت بصوت مرتفع وهي تقاوم مخاوفها:

"ما الذي يحدث هنا بحق الحجيم؟! هل وجدونا؟ هل هم يهجمون علينا؟"

كان (آشماداي) هادئاً جداً على الرغم من أن مسدسه الذي أعطاه لهم تشهره (لورين) أمامهم من بعيد بدون خوف وهو يبتسم ولا يزال واقفاً بشكل مستقيم وغريب. فقال لها (أورين) بعد أن هدأ من روعه:

"لا تقلقي يا (لورين)، كنت أصرخ لأن (آشماداي) ظهر من العدم."

حينها هدأت (لورين) أيضاً ولم تحسب الأمر على أنه شيء خطير، فأخفت المسدس خلف ظهرها وقالت بابتسامة جميلة:

"أوه، الحمد لله... اعتقدت بأنه هناك قاتل في المنزل يحاول قتلك."

فرفع (أورين) يديه في الهواء وقال:

"حسنا، فهو قد أفزعني حتى الموت تقريباً."

فأكملت (لورين): "حسنا إذن، سأذهب للإنتهاء من ارتداء ملابسي وسأقول لـ(جودي) بأنه هنا."

"حسنا!"

وقبل أن تخرج (لورين) من الغرفة لاحظت بأن (آشماداي) لا يزال يحدق بها، فظلت تنظر إليه حتى علمت بأنه لا ينظر إلى وجهها أو عينيها، حتى أدركت بأنها قد اقتحمت الغرفة وهي ترتدي ملابسها الداخلية الحمراء المثيرة المزخرفة فرفعت المسدس نحوه وغطت على صدرها وكشرت وجهها الذي أصبح أحمرا وقالت له بانزعاج:

"هل تستطيع التوقف عن التحديق إلى صدري؟!"

فاستدار (آشماداي) فور رؤيتها غاضبة وقال: "بـ-بالطبع."

صمتت لوهلة وقالت: "سأعود حالاً." ثم خرجت من الغرفة وأغلقت الباب ورائها.

حينها استدار (آشماداي) ببطئ وملامحه عادية جداً، ثم نظر إلى (أورين) وابتسم فقال له:

"واو، يا بُنَي، أختك غير الشقيقة مثيرة للغاية! هل هي عادة ما تتجول في المنزل بملابسها الداخلية؟"

أجاب (أورين): "أحيانا."

ثم ضحك وقال له: "هاها يا لك من وغد محظوظ! .."

ثم صمت لوهلة بينما يأخد نظرة سريعة على الغرفة وقال له:

"حسنا، دعنا نبدأ العمل."

فقال له (أورين) وهو يتمشى نحو الباب:

"أجل، اتبعني، دعنا نتحدث في القبو. أريد أن أريك شيئاً. ولا تدع زوجة أبي تراك!"

***

بعد مرور بعضة دقائق تسلل (آشماداي) متخفيا عن أنظار (كارلا)، تابعاً لـ(أورين) إلى القبو. فدخلوا بالفعل وظلوا هناك لمدة قصيرة بينما كان (أورين) يشرح له ويحكي له ما حدث معه هو و(جودي) في القبو من قبل.

بعد أن انتهى من حكاية ما حصل لهما عندما كانا متواجدان أمام تلك المجموعة الضخمة من الأجهزة القديمة والكثير الأسلاك والخيوط الكهربائية المعقدة المعلقة تلك، قال:

"إذن... هل تعلم ما هو كل هذا ولما يصلح؟"

أمسك (آشماداي) بذقنه وبدأ يحك لحيته بينما يفكر بصوت مسموع:

"هممم.. لا، ليس حقا. يبدو وكأنه نوع من أجهزة استقبال ترددات الراديو. وكنتَ قلت لي بأن كلمات "Esse est deus" قد ظهرت على ذلك الكمبيوتر؟"

وقد أشار إلى أولئك الحاسوبان المكتبيان الفديمان جدا الموجودات في الجهة الأخرى من الغرفة.

رد عليه (أورين) مؤكِدًا على ما حصل:

"أجل! (جودي) قد رأتها أيضاً! نفس الكلمات التي قالها والدي البارحة."

وكانت (لورين) هناك أيضاً مع (جودي) التي قالت مؤكدة:

"أجل! أنا أقسم بأننا رأيناها!"

فقال لهم (آشماداي) وكأنه يتمتم مع نفسه وقد سمعوه:

"هذا بالفعل هو رمز الطائفة..."

فاستدار إلى ناحيتهم وأمسك بمعصمه وظهرت الجدية عليه وقال:

"حسنا، أولاً.. المكون س.ت.م.ج. هل هو بحوزتكم؟"

أجابته (لورين) بعد أن أحضرت معها المكون قبل أن ينزلوا إلى القبو:

"أجل، ها هو ذا."

وكانت تحمله في يديها بعد أن أظهرته له.

ابتسم (آشماداي) ابتسامة خفيفة وقال:

"جيد. أعتقد أنه من الآمن إن احتفظتي به في الوقت الراهن. فأنا يتم تعقبي عن كثب، لا نستطيع المخاطرة به. كما أنني أحرزت بعض التقدم أيضاً. إذا كنتم ما تقولونه صحيح، فهذا يعني بأن (ليليث) لم تعد جزءًا من المجموعة. ومن هنا يتبقى لنا (مولوخ)، (عزازيل) و(إسماعيل). نحن نعلم من هو (مولوخ)، ونستطيع تعقبه أيضاً بما أننا نعرف خلفيته. أما بالنسبة لـ(عزازيل)، فأنا أعلم بأنه ليس من هنا، وبأنه حاليا يوجد في أحد الدول الآسيوية، لكنني لا أعرف أيّ دولة هي المقصودة. وبالنسبة لـ(إسماعيل)... فلا أعلم شيئاً عنه إلى الآن. لذا فسوف أستمر في البحث."

ثم نظر إلى (أورين) بالضبط وقال له:

"قد يكون والدك يعمل لديهم، أو..... قد يكون هو (إسماعيل) بنفسه. لا يمكننا استبعاد أي احتمال."

فتحدث بعدها إليهم جميعا:

"الآن، الخطوة التالية صعبة بعض الشيء. أحتاج منكم أن تتسللوا إلى سجن سان مارتن!"

يتبع..

2022/02/07 · 107 مشاهدة · 1488 كلمة
نادي الروايات - 2024